دراسة الدكتور قيس النوري الموسومة
( الاسرة مشروعاً تنموياً)
تنطوي هذه الدراسة التي تقع في سبعة فصول على دراسة نمو وتطور المؤسسة الاسرية لان هذا النمو والتطور كانا السبب المباشر في تنمية الكثير من المؤسسات الاجتماعية في المجتمع الانساني كالمؤسسات التربوية والتعليمية والصحية والدينية والمؤسسات الاقتصادية كون ان الاسرة من اهم المؤسسات البنيوية في المجتمع المعاصر وان التغيرات التي تطرأ عليها تمس حياة افرادها( ) علماً بان افرادها هم اعضاء في مؤسسات اخرى كالمؤسسات التربوية والدينية والاقتصادية، فاذا احدثت درجة من النمو والتطور في الاسرة فان هذا النمو والتطور سرعان ما ينتقل الى بقية المؤسسات التي ينتمي اليها افراد الاسرة حيث تنمو المؤسسات البنيوية بنمو الاسرة ( ) .
ان هذه الدراسة تنطوي على سبعة فصول كما ذكرنا اعلاه، هي الفصل الاول الذي يتطرق الى الانماء المعرفي عند الاسرة والفصل الثاني الى الانماء النفسي والعاطفي الذي اصبح مسيطراً على الاسرة لاسيما ما يتعلق بالتسامح والصبر والمؤانسة والعشرة ( ) . وهناك الفصل الثالث الذي يتطرق الى الانماء الادائي ولاسيما ما يتعلق بالحس بالمسؤولية او تنمية الشعور بالمسؤولية . في حين يدرس الفصل الرابع من الكتاب موضوع الانماء القيمي والانساني لاسيما انماء معايير الزمالة والصداقة وانماء معايير العمل وحرية التعبير وانماء معايير الاعتدال واحترام الذات ( ) .
وهناك الفصل الخامس الذي يتحدث عن الانماء الذوقي والجمالي، والفصل السادس الذي يعالج موضوع الانماء الابتكاري والابداعي . واخيراً هناك الفصل السابع الذي يعالج موضوع الرؤية التنموية والتنظيمية للاسرة ( ) .
ولعل هذا الفصل من اهم الفصول المتعلقة بأطروحتنا لانه يتناول موضوع تطور التوجه القرابي وتطوير الموقف الزواجي وتطوير العلاقة بين الجنسين وتطوير التراتب العمري وتسريع التكيف الوظيفي والمهني مع انماء ممارسات الديمقراطية ( ) .
فما يتعلق بتطوير التوجه القرابي يقول الباحث بان من الملامح الرئيسة للواقع الاسري في مجتمعنا هو سيطرة الاعتبارات القرابية على العلاقات وانماط التواصل الاجتماعي حيث ان هناك العلاقة القرابية بين اهل الزوج واهل الزوجة والآن هناك اتجاه بان مثل هذه العلاقات القرابية تسير نحو التوازن بين اقارب الابوين في الاسرة وذلك بجعل الحقوق والواجبات للطرفين متقاربة أي ان اقارب اهل الزوج متساوون مع اقارب اهل الزوجة ( ). وهذا التوازن في العلاقات القرابية يؤثر في تنشئة الاطفال اذ يدرك الاطفال بموجب هذا التوازن حالة المساواة وعدم التمييز بين الاعمام والاخوال . والاهم من هذا ضرورة ابعاد الاطفال عن الاجواء التقليدية التي كانت تشعرهم بان الام ليست عضواً فاعلاً في الاسرة ولاسيما عندما تكون من جماعة قرابية لا تنتمي الى نسب الاب ( ) .
ويتناول الكتاب موضوعاً له صلة بموضوع اطروحتنا ذلك هو موضوع تطوير الموقف الزواجي .
يقول الباحث في هذا الموضوع ان كثيراً من الناس لا يرون في الزواج اكثر من كونه رابطة شرعية بين رجل وامرأة وتكاد تنحسر بوظيفة الانجاب وهذه النظرة تغفل جوانب الزواج الاجتماعية والانسانية والعاطفية والفكرية الاخرى التي يتوقف عليها نجاحه ( ) . ولمعالجة جزئية هذه النظرة وعدم واقعيتها لا بد من ادخال الزواج في برامج التخطيط الاسري والتعليمي والصحي والديني وجعله موضوعاً للدراسات والبحوث العلمية والميدانية ( ) .
من عيوب المواقف الاسرية ازاء الزواج التأكيد على مصالح احد الطرفين على حساب مصالح الطرف الآخر وعادة كان التأكيد على مصالح الرجل اكثر من التأكيد على مصالح المرأة، وهذا ما ادى الى عدم توازن انظمة الزواج في المجتمع العربي ( ). ولكن بعد انتشار التربية والتعليم في ربوع المجتمع وبعد امتهان المرأة للعمل اخذت هذه النظرة تتغير، فلم يعدّ الرجل او الزوج هو الطرف الذي يتم التأكيد عليه بل اصبح هناك نوع من الموازنة بين مكانة الرجل ومكانة المرأة في الاسرة( ). وهنا اخذت المرأة تشارك مشاركة فاعلة في حياة الاسرة والمجتمع بعد ان تحملت اعباء المسؤولية الاسرية والمهنية خارج البيت مما حدى بالرجل تغيير مواقفه ونظرته نحو المرأة بحيث اصبحت هذه النظرة مليئة بقيم المساواة والديمقراطية . وهنا سمح للمرأة بالمشاركة مع الرجل في اتخاذ القرارات الاسرية وغير الاسرية داخل الاسرة ( ) .
ومن المجالات التنموية التي دخلت الى الزواج في المجتمع العراقي اتاحة المجال للمرأة باختيار شريك الحياة المناسب لها بعدما كان اهلها أو أولياء أمورها يفرضون عليها الرجل الذي يعتقدونه مناسباً لها بينما هي لا تعتقد ذلك، مما سبب الكثير من المشكلات ليس للزوج والزوجة فقط بل انه عرّض الاسرة برمتها الى خطر التفسخ والانحلال عن طريق الانفصال والطلاق ( ) .
ولكن التغير الذي حدث هنا هو اعطاء المرأة الحق في الموافقة على شريك حياتها بدون ان يفرض عليها من قبل افراد اسرتها. فهي تستطيع ان توافق او تعارض الرجل الذي يتقدم للزواج منها بينما كانت سابقاً لا يسمح لها بهذا الاختيار.وهذا التحول يعدّ تحولاً تنموياً حدث في الاسرة بحيث سبب نجاح الحياة الزوجية لان المرأة توافق على الرجل الذي يتقدم بالزواج منها ولا يفرض عليها( ).
ان مبدأ الزواج بين الرجل والمرأة يفرض وجود درجة من التناغم العاطفي والفكري بينهما مما يكون سبباً واضحاً في نجاح الزواج وعدم تعرض الاسرة الى المشكلات الاجتماعية والتربوية ( ) .